فصل: من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {ذَكَرُواْ الله}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن وجه النظم من وجهين:
الأول: أنه تعالى لما وصف الجنة بأنها معدة للمتقين بين أن المتقين قسمان:
أحدهما: الذين أقبلوا على الطاعات والعبادات، وهم الذين وصفهم الله بالانفاق في السراء والضراء، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس.
وثانيهما: الذين أذنبوا ثم تابوا وهو المراد بقوله: {والذين إِذَا فَعَلُواْ فاحشة} وبين تعالى أن هذه الفرقة كالفرقة الأولى في كونها متقية، وذلك لأن المذنب إذا تاب عن الذنب صار حاله كحال من لم يذنب قط في استحقاق المنزلة والكرامة عند الله.
والوجه الثاني: أنه تعالى ندب في الآية الأولى إلى الإحسان إلى الغير، وندب في هذه الآية إلى الإحسان إلى النفس، فان المذنب العاصي إذا تاب كانت تلك التوبة إحسانًا منه إلى نفسه. اهـ.

.قال القرطبي:

قال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت هذه الآية في نَبْهَان التَّمار وكنيته أبو مُقْبِل أتَتْه امرأة حَسْنَاء باع منها تمرًا، فضمّها إلى نفسه وقبلها فندم على ذلك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فنزلت هذه الآية.
وذكر أبو داود الطيالسي في مسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: حدّثني أبو بكر وصَدَق أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِن عبد يذنب ذنبا ثم يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر له ثم تلا هذه الآية: {والذين إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا الله فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبَهُم} الآية، والآية الأخرى {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَو يَظْلِمْ نَفْسَهُ}» وخرّجه الترمذي وقال: حديث حسن. وهذا عامُّ.
وقد تنزل الآية بسبب خاص ثم تتناول جميع مَن فعل ذلك أو أكثر منه. اهـ.

.قال الفخر:

الفاحشة هاهنا نعت محذوف والتقدير: فعلوا فعلة فاحشة، وذكروا في الفرق بين الفاحشة وبين ظلم النفس وجوها:
الأول: قال صاحب الكشاف: الفاحشة ما يكون فعله كاملا في القبح، وظلم النفس: هو أي ذنب كان مما يؤاخذ الإنسان به.
والثاني: أن الفاحشة هي الكبيرة، وظلم النفس.
هي الصغيرة، والصغيرة يجب الاستغفار منها، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورًا بالاستغفار وهو قوله: {واستغفر لِذَنبِكَ} [محمد: 19] وما كان استغفاره دإلا على الصغائر بل على ترك الأفضل.
الثالث: الفاحشة: هي الزنا، وظلم النفس: هي القبلة واللمسة والنظرة، وهذا على قول من حمل الآية على السبب الذي رويناه، ولأنه تعالى سمى الزنا فاحشة، فقال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى أنه كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32]. اهـ.

.قال أبو حيان:

قال ابن عباس: الفاحشة الزنا، وظلم النفس ما دونه من النظر واللمسة.
وقال مقاتل: الفاحشة الزنا، وظلم النفس سائر المعاصي.
وقال النخعي: الفاحشة القبائح، وظلم النفس من الفاحشة وهو لزيادة البيان.
وقيل: جميع المعاصي وظلم النفس العمل بغير علم ولا حجة.
وقال الباقر: الفاحشة النظر إلى الأفعال، وظلم النفس رؤية النجاة بالأعمال.
وقيل: الفاحشة الكبيرة، وظلم النفس الصغيرة.
وقيل: الفاحشة ما تظوهر به من المعاصي، وقيل: ما أخفى منها.
وقال مقاتل والكلبي: الفاحشة ما دون الزنا من قبله أو لمسة أو نظرة فيما لا يحل، وظلم النفس بالمعصية، وقيل: الفاحشة الذنب الذي فيه تبعة للمخلوقين، وظلم النفس ما بين العبد وبين ربه.
وهذه تخصيصات تحتاج إلى دليل.
وكثر استعمال الفاحشة في الزنا، ولذلك قال جابر حين سمع الآية: زنوا ورب الكعبة. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {ذَكَرُواْ الله}:

.قال الفخر:

أما قوله: {ذَكَرُواْ الله} ففيه وجهان:
أحدهما: أن المعنى ذكروا وعيد الله أو عقابه أو جلاله الموجب للخشية والحياء منه، فيكون من باب حذف المضاف، والذكر هاهنا هو الذي ضد النسيان وهذا معنى قول الضحاك، ومقاتل، والواقدي، فان الضحاك قال: ذكروا العرض الأكبر على الله، ومقاتل، والواقدي.
قال: تفكروا أن الله سائلهم، وذلك لأنه قال: بعد هذه الآية: {فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ} وهذا يدل على أن الاستغفار كالأثر، والنتيجة لذلك: الذكر، ومعلوم أن الذكر الذي يوجب الاستغفار ليس إلا ذكر عقاب الله، ونهيه ووعيده، ونظير هذه الآية قوله: {إِنَّ الذين اتقوا إِذَا مَسَّهُمْ طَئِفٌ مّنَ الشيطان تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
والقول الثاني: أن المراد بهذا الذكر ذكر الله بالثناء والتعظيم والاجلال، وذلك لأن من أراد أن يسأل الله مسألة، فالواجب أن يقدم على تلك المسألة الثناء على الله، فهنا لما كان المراد الاستغفار من الذنوب قدموا عليه الثناء على الله تعالى، ثم اشتغلوا بالاستغفار عن الذنوب. اهـ.

.قال الماوردي:

{ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِم} فيه قولان:
أحدهما: أنهم ذكروه بقلوبهم فلم ينسوه، ليعينهم ذكره على التوبة والاستغفار.
والثاني: ذكروا الله قولًا بأن قالوا: اللهم اغفر لنا ذنوبنا، فإن الله قد سهل على هذه الأمة ما شدد على بني إسرائيل، إذ كانوا إذا أذنب الواحد منهم أصبح مكتوبًا على بابه من كفارة ذنبه: اجدع أنفك، اجدع أذنك ونحو ذلك، فجعل الاستغفار، وهذا قول ابن مسعود وعطاء بن أبي رباح. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {فاستغفروا لِذُنُوبِهِمْ}:

.قال الفخر:

المراد منه الإتيان بالتوبة على الوجه الصحيح، وهو الندم على فعل ما مضى مع العزم على ترك مثله في المستقبل، فهذا هو حقيقة التوبة، فأما الاستغفار باللسان، فذاك لا أثر له في إزالة الذنب، بل يجب إظهار هذا الاستغفار لإزالة التهمة، ولإظهار كونه منقطعًا إلى الله تعالى، وقوله: {لِذُنُوبِهِمْ} أي لأجل ذنوبهم. اهـ.

.قال القرطبي:

وقد تقدم في صدر هذه السورة سيد الاستغفار، وأن وقته الأسحار.
فالاستغفار عظيم وثوابه جسيم، حتى لقد روَى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان قد فرّ من الزحف» ورَوى مَكْحُول عن أبي هريرة قال: ما رأيت أكثر استغفار من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال مكحول: ما رأيت أكثر استغفارا من أبي هريرة.
وكان مكحول كثير الاستغفار.
قال علماؤنا: الاستغفار المطلوب هو الذي يَحُلّ عَقْدَ الإصرار ويثبت معناه في الجنان، لا التلفظ باللسان.
فأما من قال بلسانه: آستغفر الله، وقلبه مِصرّ على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار، وصغيرته لاحقة بالكبائر.
وروي عن الحسن البِصَري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى استغفار.
قلت: هذا يقوله في زمانه، فكيف في زماننا هذا الذي يُرى فيه الإنسانُ مُكِبًّا على الظلم! حريصًا عليه لا يُقلِع، والسُّبْحَة في يده زاعمًا أنه يستغفر الله من ذنبه وذلك استهزاء منه واستخفاف.
وفي التنزيل {وَلاَ تتخذوا آيَاتِ الله هُزُوًا} [البقرة: 231]. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله}:

.قال الفخر:

المقصود منه أن لا يطلب العبد المغفرة إلا منه، وذلك لأنه تعالى هو القادر على عقاب العبد في الدنيا والآخرة، فكان هو القادر على إزالة ذلك العقاب عنه، فصح أنه لا يجوز طلب الاستغفار إلا منه. اهـ.

.قال الخازن:

{ومن يغفر الذنوب إلاّ الله} وصف نفسه بسعة الرحمة وقرب المغفرة وأن التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له، وأنه لا مفزع للمذنبين إلاّ إلى فضله وكرمه وإحسانه وعفوه ورحمته وفيه تنبيه على أن العبد لا يطلب المغفرة إلاّ منه وأنه القادر على عقاب المذنب وكذلك هو القادر على إزالة ذلك العقاب عنه فثبت أنه لا يجوز طلب المغفرة إلاّ منه. اهـ.

.قال النسفي:

{وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله} {من} مبتدأ و{يغفر} خبره، وفيه ضمير يعود إلى {من} و{إلا الله} بدل من الضمير في {يغفر} والتقدير: ولا أحد يغفر الذنوب إلا الله، وهذه جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، وفيه تطييب لنفوس العباد، وتنشيط للتوبة، وبعث عليها، وردع عن اليأس والقنوط، وبيان لسعة رحمته وقرب مغفرته من التائب، وإشعار بأن الذنوب وإن جلّت فإن عفوه أجل وكرمه أعظم. اهـ.

.قال أبو حيان:

قال الزمخشري: وصف ذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة، وأنَّ التائب من الذنب عنده كمن لا ذنب له، وأنّه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه، وأنّ عدله يوجب المغفرة للتائب، لأنّ العبد إذا جاء في الاعتذار والتنصل بأقصى ما يقدر عليه وجب العفو والتجاوز.
وفيه تطييب لنفوس العباد، وتنشيط للتوبة وبعث عليها، وردع عن اليأس والقنوط.
وأنّ الذنوب وإنْ جلت فإنَّ عفوه أجل، وكرمه أعظم.
والمعنى: أنه وحده معه مصححات المغفرة انتهى.
وهو كلام حسن، غير أنه لم يخرج عن ألفاظ المعتزلة في قوله: وإنّ عدله يوجب المغفرة للتائب.
وفي قوله: وجب العفو والتجاوز، ولو لم نعلم أن مذهبه الاعتزال لتأولنا كلامه بأن هذا الوجوب هو بالوعد الصادق، فهو من جهة السمع لا من جهة العقل فقط. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ}:

.قال القرطبي:

{وَلَمْ يُصِرُّواْ على مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
الإصرار هو العزم بالقلب على الأمر وترك الإقلاع عنه.
ومنه صَرّ الدنانيرِ أي الرّبط عليها؛ قال الحطيئة يصف الخيل:
عوابس بالشُّعْثِ الكُماة إذا ابتغوا ** عُلاَلَتها بالمُحْصَدَات أصَرَّتِ

أي ثبتت على عَدْوِها.
وقال قتادة: الإصرار الثبوت على المعاصي؛ قال الشاعر:
يُصِرّ بالليل ما تُخْفِي شَوَاكِلُه ** يا ويحَ كلِّ مُصِرّ القلبِ خَتّار

قال سهل بن عبد الله: الجاهل ميّتٌ، والناسي نائمٌ، والعاصي سَكْران، والمصِرّ هالك، والإصرار هو التسويف، والتسويف أن يقول: أتوب غدًا؛ وهذا دعوى النفس، كيف يتوب غدًا وغدًا لا يملِكه!.
وقال غير سهل: الإصرار هو أن ينوي ألا يتوب فإذا نوى التوبة (النصوح) خرج عن الإصرار.
وقول سهلٍ أحسن.
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا توبة مع إصرار». اهـ.

.قال الطبري:

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندنا، قول من قال: الإصرار، الإقامة على الذنب عامدًا، وترك التوبة منه.
ولا معنى لقول من قال: الإصرار على الذنب هو مواقعته، لأن الله عز وجل مدح بترك الإصرار على الذنب مُواقع الذنب، فقال: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفرُ الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}، ولو كان المواقع الذنب مصرًّا بمواقعته إياه، لم يكن للاستغفار وجه مفهوم. لأن الاستغفار من الذنب إنما هو التوبة منه والندم، ولا يعرف للاستغفار من ذنب لم يواقعه صاحبه، وجهٌ.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما أصرَّ من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة».
فلو كان مواقع الذنب مصرًّا، لم يكن لقوله: «ما أصرَّ من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة»، معنى لأن مواقعةَ الذنب إذا كانت هي الإصرار، فلا يزيل الاسمَ الذي لزمه معنى غيره، كما لا يزيل عن الزاني اسم زان وعن القاتل اسم قاتل، توبته منه، ولا معنى غيرها. وقد أبان هذا الخبر أن المستغفر من ذنبه غير مصرٍّ عليه، فمعلوم بذلك أن الإصرار غير المواقعة، وأنه المقام عليه، على ما قلنا قبل. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الفخر:

اعلم أن قوله: {وَمَن يَغْفِرُ الذنوب إِلاَّ الله} جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه، والتقدير: فاستغفروا لذنوبهم ولم يصروا على ما فعلوا. اهـ.

.قال القرطبي:

قال علماؤنا: الباعث على التّوبة وحلّ الإصرار إدامةُ الفكر في كتاب الله العزيز الغفّار، وما ذكره الله سبحانه من تفاصيل الجنة ووعد به المطِيعين، وما وصفه من عذاب النار وتهدّد به العاصِين، ودام على ذلك حتى قوِي خوفه ورجاؤه فدعا الله رَغَبا ورَهَبا؛ والرّغْبَة والرّهبة ثمرة الخوف والرجاء، يخاف من العِقاب ويرجو الثواب، والله الموفق للصواب.
وقد قيل: إن الباعث على ذلك تنبيه إلهِيٌّ ينَبّه به من أراد سعادته؛ لِقبح الذنوب وضررها إذ هي سُموم مهلكة.
قلت: وهذا خلاف في اللفظ لا في المعنى، فإن الإنسأن لا يتفكر في وعد الله ووعِيده إلا بتَنْبيهه؛ فإذا نظر العبد بتوفيق الله تعالى إلى نفسه فوجدها مشْحُونة بذنوبٍ اكتسبها وسيئات اقترفها، وانبعث منه الندمُ على ما فرّط، وترك مثلَ ما سبق مخافةَ عقوبة الله تعالى صَدَق عليه أنه تائب، فإن لم يكن كذلك كان مِصرًّا على المعصية وملازِمًا لأسباب الهلكة.
قال سهل بن عبد الله: علامة التائب أن يشغله الذنب على الطعام والشراب: كالثلاثة الذين خُلِّفوا. اهـ.
وقال القرطبي:
في قوله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّواْ} حُجَّةٌ واضحة ودلالة قاطعة لما قاله سيف السنة، ولسان الأمة القاضي أبو بكر بن الطيب: أن الإنسان يؤاخذ بما وطَّنَ عليه بضميره، وعزم عليه بقلبه من المعصية.
قلت: وفي التنزيل {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وقال: {فَأَصْبَحَتْ كالصريم}.
فعوقبوا قبل فعلهم بعزمهم وسيأتي بيانه.
وفي البخاري: «إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار» قالوا: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» فعلق الوعيد على الحرص وهو العزم وألغى إظهار السِّلاح.
وأنَصُّ من هذا ما خرّجه الترمذيّ من حديث أبي كبشة الأنماريّ وصححه مرفوعًا: «إنما الدنيا لأربعةِ نفرٍ رجل أعطاه الله مالًا وعِلمًا فهو يتّقي فيه ربّه ويصِلُ فيه رحمه ويعلم لله فيه حقًا فهذا بأفضل المنازل، ورجل آتاه الله علمًا ولم يؤته مالًا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فأجرهما سواء، ورجل آتاه الله مالًا ولم يؤته عِلمًا فهو (يخبط في ماله بغير علم) لا يتقي فيه ربه ولا يصِل به رحمه ولا يعلم لله فيه حقًا فهذا بأخبث المنازل، ورجل لم يؤته الله مالًا ولا علمًا فهو يقول لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان فهو نيته فوِزرهما سواء» وهذا الذي صار إليه القاضي هو الذي عليه عامّة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدِّثين والمتكلِّمين، ولا يُلتفت إلى خلاف من زعم أن ما يَهُمُّ الإنسانُ به وإن وَطَّن عليه لا يؤاخذ به.
ولا حجة (له) في قوله عليه السلام: «من همّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه فإن عمِلها كتبت سيئة واحدة» لأن معنى «فلم يعملها» فلم يعزم على عملها بدليل ما ذكرنا، ومعنى «فإن عملها» أي أظهرها أو عزم عليها بدليل ما وصفنا. وبالله توفيقنا. اهـ.